السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على الذي مافتئ قائماً صائماً ذاكراً حتى أتاه اليقين نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين
من أشد الأمراض الروحية التي أصابتنا في مقتل وعاثت فساداً في اللذة التي تسبق العبادة أوتليها حتى أصبحنا
لانستشعر ذلك الجمال وتلك الراحة الإيمانية بعد أداء الطاعات !!!!
داء الفتور
(أسميته القاتل الصامت) فلنتعرف عليه معاً
تعريفه
الفتور :انكسار وضعف 00ضعف سُبق بقوة وانكسار تقدمته صلابة ولهذا قال علماء اللغة : ( فتر : أي سكن بعد حِدّة ،
ولان بعد شِدّة ) 0فالفتور إذًا مرض يصيب الأقوياء ، ويترصد لكل من يتطلع إلى الكمال في دينه ، وعلى هذا فإن الأمر
يزداد خطورة ؛ إذ أن أهم المقصودين هنا هم شريحة أهل الإيمان من العاملين المنتجين ، والمبدعين المتفوقين ، الذين
تنهض عليهم الأمة ، وتنقاد لهم سفينتها0
أسس مسلَّمة في مشكلة الفتور
- 1-
أنّ جميع الخلق _ سوى من عصمه الله _ معرض للإصابة بالفتور ، والوقوع في الأخطاء والمعاصي ، وهذا أمر قد
أثبته النبي صلى الله عليه وسلم وجعله سمة لكل بني آدم فقال
كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ )ولما
كان الإنسان مفطورًاعلى الوقوع في المعصية أرشده الله تعالى إلى طريق الخلاص منها ، وهو التوبة النصوح 0
- 2-
أنّ قلب المرء وإن صفا ، وثبت على الإيمان فإنه معرّض للانتكاسة يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّمَا سُمِّيَ
الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ ؛ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ ) 0
-3-
أن ّمذهب أهل السنة والجماعة في شأن الإيمان ، أنه يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وهل يستوي إيمان عبد
شغف بحب الله ورسوله وأضاء نور القرآن عقله ، وأنارت السنة بصيرته بمن رضي بمستنقعات الرذيلة له موردًا ومشربًا
وامتلكت جوارحَهُ المعاصي !!
-4-
أنّ بقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها في أعظم العبادات قدرًا ، وأكثرها تأثيرًا ؛ كالصلاة
والحج ، والصيام وتلاوة القرآن ، وقيام الليل ، أمر متعذر ؛ لشدة انشغال القلب بأعمال الدنيا ، وملذاتها 0
وليس هذا من الرياء أو النفاق في شيء ، وقد وجد هذا أفضل القرون من صحابة النبي ولنا في حديث حنظلة الأسيدي
المعروف دليلاً0(لمن لايعرف الحديث يعود إلى المرجع في الأسفل )
مظاهر الفتور
كيف نعرف أننا مصابون بداء الفتور ، ما أعراضه ، وأشكاله التي يظهر بها في عبادتنا وحياتنا؟!
المظهر الأول
قسوة القلب ، ذلك السياج المانع للقلب من الخشوع لله تعالى ، الحابس لدمع العين من خشيته ، الحائل دون قشعريرة
الجلد وليونته ذلاً لله تعالى ، فلا يعرف القلب بعد هذا معروفًا ، ولا ينكر منكراً !!
ولا ريب أن ذكر الموت والاستعداد للآخرة وتمني حسن الخاتمة علاج لكل من قسا قلبه بالمعصية ، يقول الرسول صلى
الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكّر الآخرة )0
المظهر الثاني
التهاون في فعل الطاعات ، ما كان منها فرضًا ، أو نفلاً ، يسيرًا كالأذكار ، أو غير ذلك ، فإذا رأى الإنسان نفسه
متثاقلاً في أداء العبادات فليعلم أن داء الفتور قد دب في أوصاله ، وسرى في دمه ، يقول تعالى ذامًا هذا الصنف من
المصابين بهزال الإيمان وضعفه ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)
المظهر الثالث
بغض الصالحين الممتثلين للسنة ، فإذا ما رأيت العبد يجتنب مجالس الخير ، ويأنس بأحاديث اللغو والتفاهة ، فاعلم أنه
يعيش صراعًا مع نفسه ، فإنها تنازعه الثبات على الحق ، وتدعوه إلى الإهمال فيه ، والفتور في القيام به .
يقول الفاروق : ( جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة ) .
المظهرالرابع
موت المشاعر الدينية ، وعدم الغضب من أجل الله تعالى وعدم إنكار الفتن القائمة!!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ
سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا
دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادٌ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )
المظهر الخامس :
عدم الشكر في السراء ، وعدم الصبر في الضراء ، وإنما يأتي ذلك من ضعف الإيمان ، والفتور في الصلة بين العبد
وخالقه 0
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ
شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)
أسباب الفتور
السبب الأول
عدم تعهد العبد إيمانه من حينٍ لآخر ، من حيث الزيادة أو النقص ، فإن بدون مراجعة الإنسان نفسه مع
حال إيمانه ، تتكالب عليه أسباب الفتور من كل جانب 0
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : ( من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم
ينتقِص ؟ ) .
السبب الثاني
الجهل بما أعده الله تعالى للمتقين من الجنان ، أو تجاهله ، أو نسيانه ، أو عدم مذاكرته بين الحين والآخر ، فإذا ما
وقع الإنسان في شيء من هذا ، فتر عن العبادة ، وتكاسل عنها
السبب الثالث
استبعاد العقوبات الدنيوية ، والاستهانة بالعذاب الأخروي ، أو الشعور بأنه عذاب معنوي فحسب . وهذا السبب قسيم
لسابقه ، فإنما يسعد المؤمن بإيمانه على أمرين ، الرجاء في ثواب الله ، والخوف من عقابه ، فإذا ما استبعد المسلم
حلول النقمة عليه في الدنيا بسبب ذنب أصابه ، أو خطيئة ارتكبها ، تمادى في طريقها غير مبالٍ بنتائج هذا الفعل
يقول بعض السلف : (( إنني أجد أثر المعصية في أهلي ودابتي )) .
السبب الرابع
الانبهار بالدنيا وزينتها ، والاغترار بنعمها الزائلة ، وإن للدنيا من الفتنة العظيمة ما يتغيّر به حال العباد من
الثبات إلى الفتور ، ومن القوة إلى الضعف!!
السبب الخامس
طول الأمل ، وهذا هو قاتل الهمم ، ومفتر القوى ، قرين التسويف والتأجيل ، وحبيب الخاملين الهاملين ، وعدو الأتقياء النابهين .
ويكفي طول الأمل مذمة الله له ، حيث قال في كتابه : ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .
السبب السادس
تحميل الإنسان نفسه في عبادته ما لا يحتمل عادة ، فإنه وإن استمر على فعل الطاعة مع ثقلها عليه ، إلا أنه سيصيبه الفتور بعد ذلك ؛ لمخالفته المنهج النبوي الكريم ، وهو أن المؤمن ينبغي أن يأخذ من الأعمال ما يطيق ، حتى لا يصاب بالملل والسآمة ، فيعود هذا على ترك العمل نهائيًا
السبب السابع
الابتداع في الدين ، وإنه لسبب خفي من أسباب الفتور ، ومدخل للشيطان على النفس البشرية قلما تتنبه له ، وذلك لأن هذه الشريعة الغراء ليست من صنع البشر ، بل أحكامها إلهية ، مصدرها الوحي ، جاءت مؤصلة بكلام الله تعالى ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم
السبب الثامن
الرفقة السيئة ، وهي الأخطبوط الذي يضم المصاب بداء الفتور ، كلما حدثته نفسه بالعودة إلى الثبات ، والعزيمة على الرشد ، فتنته هذه الرفقة بعرض جديد من ألوان الهوى
السبب التاسع
الانفراد والعزلة ، ففي زمن كثرت فيه المغريات ، وتنوعت فيه وسائل الشهوات ، وسهلت فيه الخلوة بما حرم من المثيرات ، أصبحت العزلة وسيلة إلى الفتور ، وطريقًا إلى الخور والضعف ؛ لأن المسلم حينما ينفرد لا يعرف صوابه من خطئه ، ولا قوته من ضعفه ، فتراه يسير متخبطًا في عمى ، بلا دليل يدل ، ولا حكيم يرشد ، فيسهل قياده من الشيطان للتقصير يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ
)
السبب العاشر
عدم معرفة الله حق معرفته ، والجهل بعظمته في النفوس ؛ فإن من عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته ،
لم تجرؤ نفسه على التقصير في عبادته ، أو الوقوع في معصيته ، أو الخلوة بالخطيئة ، أو المجاهرة بالسيئة 0
السبب الحادي عشر :
استحقار صغائر الذنوب ، والاستهانة بعقوبتها 00عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :
(إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ )
السبب الثاني عشر
التعلق في الالتزام بالدين بالأحياء من الصالحين ، وإنه السوس الذي ينخر في دين الإنسان من حيث لا يشعر ، فكم يفرح المرء بهدايته ، غير أنه لم يهتد إلا لأجل إعجابه بشخصية فلان ، أو استحسانه صوته أو صورته ، حتى يصل الأمر بأن يتبعه في كل شيء ، ويقلده في كل أمر ، فإذا ما أصيب قدوته بالفتور ، لحقه فيه دون تردد ، ولو انتكس ، انقلب كما انقلب على عقبيه ، وإنه لا يضر الله شيئا .
.
يقول عبد الله بن مسعود : ( من كان منكم مستنًا ، فليستن بمن مات ، أولئك أصحاب محمد، كانوا خير هذه الأمة ، أبرها قلوبًا ، وأعمقها علمًا ، وأقلها تكلفًا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه )
السبب الثالث عشر
الانشغال بالعلوم العلمية البحتة ، والانفتاح على شتى وسائل تحصيلها ، من دون تفريق بين ما حلّ منها وما حرم ، كالتعذر في تعلم اللغة الإنجليزية برؤية الأفلام الأجنبية
]
السبب الرابع عشر :
الغفلة عن محاسبة النفس ، فترى أحدنا يسير في هذه الدنيا ولم يجعل على نفسه حسيبًا ، فتكثر
عثراته ، وتتضاعف زلاته
العـــــــــــلآج
إن الدواء الناجع لداء الفتور هو بإيجاز قطع كل الأسباب التي سبق ذكرها ، التي من شأنها أن توقع المسلم في
خنادق الفتور ، ومهاوي التقصير ، ليسلك بدلها وسائل الثبات ، وطرق الالتزام بالهداية ، فيعظم العبد ربه في قلبه ،
ويطبع هذا التعظيم على أقواله وأفعاله واعتقاده ، ويتّبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم بلا زيادة أو نقصان ، ويضع الموت والنار والجنة
نصب عينيه ، يرجو رحمة ربه ، ويخاف عذابه ، معظمًا في ذلك شعائر الله ، فإن ذلك من تقوى القلوب ، متعاهدًا لنفسه
بالمحاسبة ، وبالرفقة الصالحة ، وبالوعظ والتذكير ، مبتعدًا عن طرق الهوى والفتنة بشتى وسائلها ، مرددًا دعاء النبي
صلى الله عليه وسلم( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك )
انتهى
00اللهم اجعلنا من الدائمين على طاعتك 00
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0